الخميس، 24 مارس 2011

إشتهرت كلمة "ده حافظ مش فاهم" في الاونة الأخيرة للدلالة علي عدم إستخدام العقل أو غياب الوعي و لذلك أنا أقول علي كل من يثير القضايا الفرعية في هذه الأيام العصيبة التي نمر بها أنهم "حافظين مش فاهمين".

 بدأ الموضوع بظهور عبود الزمر و معاملته كسبق صحفي من قبل الإعلام بما أظهره كالأبطال الأسطوريين.

بالطبع إستفز هذا كثيرا من المعارضين لفكر السلفيين كالدكتورة سعاد عبداالله و وصفتهم بخفافيش الظلام. و هنا بدأ الخطأ, و بدلا من التعامل بعقل مع قلة العقل إنبري أحدهم للزود عن حمي السلفية. و بدأت معركة بين أهل العلم الله وحده يعلم متي تنتهي.

قبلها بيومين أو ثلاثة راح الدكتور يحي الجمل في مقابلة تليفزيونية يخاطب المعترضين علي نتيجة الإستفتاء و زل لسانه بكلمة ربنا يحمد ربنا و هو تجاوز لا يليق و يستحق المراجعة و المعاتبة و خاصة في هذه الأيام و أيضا لأن سياق الكلام كان للتدليل علي أن الناس لا يجمعون علي شئ و لو كان وجود الله نفسه. تم تحويل الرجل للنائب العام للتحقيق معه بتهمة العيب في الذات الإلهية. الدخول في هذا الطريق يؤدي إلي نفق مظلم لا يدرك هؤلاء نهايته.

كان أبو نواس شاعرا ماجنا و متجاوزا و شعره فيه الكثير من الكفريات بمقاييس الأيام الحالية. و قد كان معاصرا للإمام أحمد بن حنبل و من شعره
  " تعِسَ الزمان فإن في أحشائه    بُغضاً لكلِّ مُفضَّلٍ ومُبجَّلِ".
و لم يطالب أحد بتكفيره أو إخراجه من الملة و بالمناسبة لقد كان أيضا فقيها بعلوم القران و الحديث. كذلك لم يطالب المحتسب بتطليقه من زوجته. إنهم كانوا يعلمون أن ضرورات الشعر و الأدب و الفكاهة قد تخرج المرء عن حدود الأدب مع الله بما لم يكن مقصود صاحبه لأنك لو راجعته فسيقول أنه ما قصد إلي ذلك. وهذا في حد ذاته تراجعا عن سوء القصد، و لا يملك أحد نبش نفوس الناس للتأكد من نواياهم. 

أرجو أن نترفق في عتابنا لبعضنا البعض و ألا نخرج الكلام من سياقه لأن هذا فيه نوع من البهتان. كذلك أرجو أن نؤجل الخلافات المذهبية و الأيديولوجية حتي نفرغ من العدو المشترك, الفساد و المفسدين.

تذكرت و أنا أقرأ هذه الأخبار قول سيدنا لوط لقومه "أليس منكم رجل رشيد". نسأل الله أن يفقهنا و نعوذ به من الحافظين اللي مش فاهمين. و نسأله العفو و العافية.

 

الأربعاء، 23 مارس 2011

ضبابية الرؤية

بالرغم من مرور أكثر من شهر علي إنهيار ذلك الكيان الهائل, و أقصد بذلك النظام السابق, فما زالت الرؤية غير واضحة و ربما ستستمر هذه الضبابية لفترة طويلة قادمة.


و بمتابعتي للحوارات الدائرة علي صفحات الجرائد و حتي بين الأصدقاء علي الأنترنت, وجدت أن مجهودا هائلا يبذل و وقتا هائلا يضيع في معارك وهمية لا هدف لها, في غالبها, إلا إحراز أي إنتصار, لشعب عاني طويلا من الهزيمة المذلة علي يد النظام البائد, علي أخ أو أخت في الوطن, فتوجيه أسلحتنا لبعضنا الان ناتج عن فترات طويلة من الصمت و السلبية إنقلبت الان إلي رغبة عارمة في الكلام, أي كلام, و الرغبة في إحراز أي أهداف بعد عقم تهديفي إستمر لأكثر من خمسين عاما.


لذلك رأيت أن أتقدم بإقتراح, لو شاركني فيه البعض و تبنيناه, ربما ساهم في التركيز علي الأهداف المشتركة بدلا من التركيز علي نقاط الإختلاف.


بداية أحب أن نتفق علي إستبعاد الإنطباعيات التي ينتج عنها أنني لا أرتاح إلي فلان, شكله غير عاطفي, ماعندهوش كاريزما, أو العكس: شكله إبن حلال, إبن ناس, وشه (وجهه) ينضح طيبة.


ثانيا, أدعو للكف عن الحكم علي الناس من واقع إنتماءاتهم, فهذا علماني و ذاك إخواني و هذا ناصري و هكذا. إن هذا التصنيف يحرمنا من رؤية الجوانب المضيئة في الاخر و تلقائيا نستبعد هذا أو ذاك بمجرد تصنيف لم نتفق علي معناه الدقيق أم لم ندرك أبعاده. أتحدي أن يتفق ثلاثة من معارف أي منا علي تعريف دقيق للعلماني. كذلك أتحدي أن يجتمع ثلاثة علي معرفة دقيقة للإخوان المسلمين ينتج عنها رفضهم أو تبنيهم لفكرهم.


ثالثا التجريح الشخصي الغير قائم علي يقين و المبني علي سماع و إشاعات هو عمل شائن أود أن يستنكره الجميع حتي يفعل المجتع البناء القانوني الذي يجرم هذا السلوك و يعاقب أصحابه.


رابعا يجب إعلاء قيمة الحق في إبداء الرأي, فمن الأقوال المأثورة, " قد أختلف معك في الرأي و لكني علي إستعداد لأن أدفع حياتي دفاعا عن حقك في إبداء رأيك".


و لنبدأ بتصنيف الناس إلي مجموعتين رئيسيتين: شياطين و بشر.


الشياطين هم من ثبت بالدليل القاطع و البرهان الساطع إرادتهم القوية في نشر الفساد و الظلم و البغي و حماية وسائله, من أمثال هؤلاء مبارك و كبار معاونيه و رجالاته. لا يمكننا بعد هذه التجربة الطويلة معهم إلا أن نستبعدهم من الحياة السياسية و النقاشات الدائرة أو أن نتسامح معهم و نسقط حق القصاص منهم لجرائمهم في حق الجميع. إن مثل هؤلاء الان مثل زوج داوم علي إهانة زوجته لمدة عشرين أو ثلاثين عاما وكلما إجتمع الأهل و الأقارب للإصلاح إدعي أنها هي السبب و أنكر إساءته إليها, و بعد أن إجتمع أقاربها لتطليقها منه راح يعدها بأنه سيصلح ما أفسده. هل نبالغ إذا إدعينا أنها بلهاء إذا منحته فرصة أخري؟


البشر هؤلاء الساعون في الحياة يخلطون عملا صالحا و اخر سيئا. منهم من قبل رشوة أو أكرم أقاربه علي حساب الناس أو حصل علي مصلحة برشوة مسئول أو إشترك في تضليل الناس في الإعلام بدعوي أن التيار أقوي من الجميع. هؤلاء لم يفقدوا الإحساس بالذنب في يوم من الأيام و إن رضوا بالخطأ مؤقتا و لكن لم يصيروا دعاة للباطل أو ينشروا الضلال و يدعون أنه الحق, ذلك هو الضعف الإنساني الذي لا أبرره و لكن أدعو للتصالح مع أصحابه و لبداية جديدة معهم.


نحن مقبلون علي مرحلة هامة نحتاج فيها إلي بوصلة سليمة تدلنا علي الإتجاه الصحيح في كيفية إختيار ممثلينا في المجالس النيابية و رئيس الجمهورية و لو تركنا لأنفسنا العنان في الحكم علي الناس بالمقاييس السائدة فلن نجني إلا الندامة و سنعاني جميعا من سوء إختيارنا حيث تحكمت الإشاعات و السمعة و الشهرة فيها و هذا ظلم لأنفسنا و علي الظالم تدور الدوائر.


دعونا نبدأ بسؤال عما نريد نحن, لا ما يعرضون هم. ماذا نريد من القادمين أن يحققوا لهذا الشعب في المدي القريب؟ من وافق برنامجه إرادتنا و إحتياجاتنا انتخبناه و من إبتعد عنها رفضناه. بالطبع سنختلف إلي مجموعات كل لها أولويات و هذا ما كان يفترض أن تقوم به الأحزاب و حيث أنها غير موجودة, دعونا نضع نحن برامجنا.


إنها عملية طويلة و ستخضع لنقاشات مطولة و تصفية حتي تصل كل مجموعة إلي ترتيب أولويات إحتياجاتها, فمثلا ماذا نريد أن يحدث من تغيير في مجال التعليم؟ هل نؤيد المجانية في جميع المراحل أم في مراحل معينة فقط؟ هل نسمح باستمرار المؤسسات التعليمية القائمة علي الربحية؟ هل نعارض تعدد المناهج و الأنظمة لأبناء الوطن الوحد؟ هل إصلاح التعليم و زيادة ميزانياته يأتي في مقدمة الأولويات؟ و هكذا و دون الدخول في التفاصيل العميقة لكل عملية حتي لا نتوه و نفقد الإتجاه.


مثال اخر, هل نتصور أن يظل النظام الضرائبي علي ما هو عليه أم نرفع الحد الأقصي للضريبة؟ ما هي أنجح الوسائل لتحقيق عدالة إجتماعية لا تعطي المتكاسلين مزايا علي حساب أصحاب المواهب و الطاقات؟


سنخلص إلي مجموعة من البرامج الكلية, كل مجموعة ستقوم بتأييد مرشحيها بناء علي تلك البرامج. المفاضلة بين المرشحين المتشابهين في برامجهم ستكون حسب إنتماءاتهم المعلنة و ليست التي إشتهروا بها. الجانب الشخصي سيتم إهماله ما لم يكن جريمة أو ما شابه.


أمل أن أتلقي إقتراحات الأصدقاء و الأبناء الأعزاء و كذلك البدء في إعداد البرامج و مناقشتها و لعله يكون جهدا مبذولا في الإتجاه الصحيح يسدده سلامة النوايا و توفيق الله.

الأربعاء، 9 مارس 2011

إنعدام الرؤية

إعتدنا في شبابنا أن نعتنق بيقين الإتجاه الفكري المعين و نحن متأكدين من صحة الإتجاه و سلامة البوصلة التي تشير لنا إلي الحق و الحقيقة.  

كذلك كنا, و هو سلوك يصبغ المرحلة الشبابية, اليقين و ما يتولد عنه من إصرار.

هذا هو ما اقلعنا عنه بمرور السنين و إنكشاف الحقائق الواحدة تلو الأخري.

إنني علي يقين من أن الله موجود و أننا جميعا سنموت و أما ما عدا ذلك فيغلب علي ظني هذا الفرض أو ذاك كتفسير لما يقع من أحداث و كتصنيف لاراء و مواقف.

لقد أصبحت أتعجب لقوم تقدم بهم العمر و خبروا الحياة و ما زالوا يمارسون هذا النوع المستفز من اليقين.

 هذا في الظروف الطبيعية و كرد فعل لأحداث الحياة اليومية العادية و المتكررة, أما في الحالات الإستثنائية فيزداد الوضع غموضا و  تزداد الضبابية التي تجعل الأشياء شبيهة بتلك التي نعرفها و لكن لا يمكن التيقن بأنها هي.

تلك هي الحالة التي نمر بها الان, لقد إنهار ذلك الكيان الضخم الذي إستغرق بناؤه ما يزيد علي أربعين عاما, إنهار بالكامل و خلف الكثير من الغبار الذي حجب الجزء الأكبر من الرؤية و صارت معظم المواقف مبنية علي تخيلات لشكل وهيئة الساحة بعد إنقشاع الغبار.
هذا هو ما سبب الكثير من اللغط بين المصريين منذ أول أيام الثورة و حتي هذه اللحظة.

إنني أدعو الله أن ينقشع هذا الغبار سريعا, و ربما ساهم سقوط جهاز أمن الدولة بشكل فعال في ذلك, حيث امل أن تسفر التحقيقات الدائرة الان في كشف حقائق كل رجال النظام البائد أمثال شفيق و عمرو موسي بشكل يؤدي إلي إستبعادهم من الصورة و التخلص من أشباحهم للأبد.

أقول هذا و لست علي يقين من الرجلين و أمثالهما و لكننا في مرحلة أري أننا يجب أن نستبعد من المجال السياسي بالشبهة.

لذلك أنا أعجب من العواجيز أمثالي الذين يتعاملون بيقين كامل مع الأوضاع في مصر الان و هو ما لا يتناسب مع الخبرات المتراكمة عبر سنين العمر و لا يتناسب كذلك مع ضبابية الموقف الان.

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

تأملات في الحدث الكبير

ما زلت أعاني أثر الصدمة جراء ما حدث بداية من الخامس و العشرين من يناير و المستمر حتي اليوم فيما يشبه الحلم مرة و الكابوس مرات و البكائية مرات و مرات.


فأما الحلم فهذا الطائر الذي حلق أخيرا نافضا عنه الظلم و المهانة, فمتي نبت له هذان الجناحان القويان ومن دربه علي التحليق في افاق لم نكن نجرؤ علي مجرد التفكير فيها. "إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي". الحلم بإقامة العدل و بنهاية البغي. 


وأما الكابوس, أن تستطيع قوي الظلام و البغي أن تجهض هذه الثورة و تسوء الأمور عما كانت عليه يدفعها الإنتقام و الغل الذي يسكن هناك في أعماق الظالمين و الذي يطل من عيونهم كلما فاضت به نفوسهم المريضة. كارهون لكل ما هو خير و جميل في هذه الحياة. فقدوا قدرتهم علي الحب و البكاء, عيونهم من زجاج و قلوبهم من حجر.


و أما البكائية فعلي العمر الذي أهدرناه ننظر و نفلسف و نرفع أصواتنا, و هي أقصي ما إستطعنا أن نرفع, مدافعين عن وجهات و مسالك كلها لا تؤدي إلي طرق العدل و الخير و الجمال, كلها تحاول تبرير خيبتنا و فشلنا في دفع الظلم و إقامة الحق. لقد جسدنا العجز فصرنا عجزا يأكل و يشرب و يتكلم و يمشي, و الله لم يخلقنا لذلك و لكنا هوينا إلي الأرض من أجل إستمرار الحياة المهينة.


تأملت ذلك وأنا أراجع توصيات لجنة الحكماء الأخيرة. هؤلاء الشيوخ و الكهول الشرفاء, الذين توقفوا عن الحلم منذ زمان بعيد.
إن اراءهم كلها حصيلة تجارب, أي دروس مستفادة من أخطاء الماضي, رؤيتهم موصولة بالماضي و النظر إلي الوراء, فالتحليق لا يوجد في قاموسهم وهم لم يروا شيئا مثل هذا من قبل, فالصدمة تسيطر علي مشاعرهم و الممكن يحكم رؤاهم. فالحلول المقترحة تستند لما هو موجود علي الأرض من دستور و نظم و إجراءات.


أما هؤلاء الشباب, وهو تعبير عن المحتجين الذين غادروا منازلهم و أقاموا في الشارع بغض النظر عن أعمارهم, تحكمهم أحلامهم, إنهم لم يتوقفوا يوما عن الشوق للتحليق و لذلك ما أن سنحت لهم الفرصة حتي سارعوا إلي الطيران. لا يقيدهم ثوابت و لا يحكمهم دستور و لا إجراءات.


إن هذه الفجوة بين رؤية هؤلاء و أولئك الشرفاء جميعا يجب أن يعيها الذين يطالعون الموقف و يتخوفون من عواقبها.


أسأل الله العظيم أن يكلل تضحيات هؤلاء الشرفاء بالنصر وأن يرينا في الظالمين عجائب قدرته, امين. 

السبت، 8 يناير 2011

أي إسلام

أسأل نفسي بين الحين و الاخر عن الإسلام, هل ما بين أيدينا من كم هائل من الكتب و المتون و الشروحات هو الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمدا, صلي الله عليه و سلم, أم ماذا؟ هل الإسلام ديانة معقدة إلي الحد الذي تحتاج إلي كل هذه الشروحات لتفهيمها للناس؟ إن الكتب المؤلفة في العقيدة فقط تعد بالمئات و لعالم واحد أكثر من مائة و خمسين شريطا صوتيا يشرح فيها العقيدة.


أفهم هذا الغموض بالنسبة للديانة المسيحية لتبرير التثليث و في العقيدة اليهودية لتبرير شر الإله الذي يعبدونه و لكن ما بال الإسلام العقيدة الناصعة و البسيطة التي شرحها المسلمون المهاجرون إلي الحبشة في كلمات قليلة فهمها النجاشي دونما عناء؟


أفهم هذا التعقيد اللازم لتبرير الواسطة بين العوام و بين الله و المتمثلة في الأحبار و الرهبان, فهل يلعب رجال الدين و المشايخ نفس الدور و نحن لا ندري فصار ضرورة أن نلجأ إليهم في كل صغيرة و كبيرة ليدلونا علي الطريق الصحيح و يحمونا من الوقوع في الضلال؟


هذا سؤال صعب الإجابة عليه دون دراسة و تأصيل للأمور ثم نبني علي هذه الأصول المتفق عليها حتي نصل إلي توصيف حقيقي لحالنا نحن المسلمين مع أنفسنا و مع علمائنا.

أولا يجب أن ننوه أن سبب إرسال الله رسلا للناس أن يبلغوهم أمورا محددة و هي أن الله خلق هذا الكون فهو الله الواحد و أنه خلق الإنسان لعبادته و إستخلفه لعمارة الأرض و بين له كيف يكون ذلك و أن الإنسان سيبعث بعد الموت لمحاسبته علي أعماله في الدنيا فمصيره إما إلي جنة و إما الي نار.

و لذلك نجد أن المواضيع التي ناقشها القران الكريم تنقسم إلي عقيدة وعبادات و معاملات و تزكية نفس.

فأما العقيدة فقد لخصها رسول الله صلي الله عليه و سلم حين أجاب جبريل أن الإيمان هو أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و القدر خيره و شره.

هذه عقيدة بسيطة و يسيرة دونما تعقيد, هكذا بدأت و هكذا كانت. فما الذي خلق كل هذا التعقيد عن ماهية الله و صفاته؟ من الذي ذهب إلي تقسيم التوحيد إلي توحيد الألوهية و توحيد الربوبية و يجعل شيخا جليلا مثل الألباني يتهم شيخا جليلا اخر هو سيد قطب بالجهل لأنه لا يدري الفرق بينهما؟ و ما الذي جعلنا نناقش هذا الهراء عن خلق القران و نعتبره قديم وليس مخلوقا؟

وقد رسخت هذه العلوم كأنها من الدين و هي تدرس في كل الجامعات الإسلامية في علم التوحيد. ولأن هذا ما وجدنا عليه اباءنا فهو لا يتم مراجعته و يعتبر جزءا من العقيدة التي جاء بها سيدنا محمد و بالطبع إختلف فيها المسلمون و صاروا يتهمون بعضهم بفساد العقيدة و لا حول و لا قوة إلا بالله.

إن العقيدة الإسلامية بسيطة جدا بحق حيث نؤمن أن الله ليس كمثله شيء و أي أمر لم يثبت بدليل قطعي في هذا الشأن نجيب بعدم علمنا عنه كما أجاب الإمام مالك حين سئل عن إستواء الله علي العرش بأن الإستواء( كمعني) معلوم و كيفيته مجهولة و السؤال عنه بدعة.

و لنلخص ذلك نقول إن العقيدة الإسلامية يمكن شرحها في كلمات قليلة و كافية و كل ما تم تأليفه فيها هو ليس جزءا أصيلا منها و لكن هو مجموع استنتاجات مختلفة للعلماء و لا يقوم عليها دليل قطعي السند و لا الدلالة. و العقيدة لا ينبغي أن تبني علي الظن كما أعلم.

في المقالات التالية سأقوم بمناقشة الجوانب الأخري للدين الإسلامي من عبادات و معاملات حتي نصل الي حقيقة ما بأيدينا الان من كتب و تفاسير و متون, جعلت الدين مجموعة من الطلاسم يستعصي فهمها علي المسلمين جميعا و يستاثر بها مجموعة من العلماء فصرنا كالنصاري و اليهود, كقطعان الماشية يقودنا مجموعة من رجال الدين المختلفين مع أنفسهم  و كل منهم يدعي إحتكار الحقيقة دونا عن الاخرين. و صرنا نتبع الرجال و لا نتبع الحق لأننا ببساطة لا نستطيع أن نميز الحق من الباطل في حين أنهم يميزون.

أعلم أن الخوض في هذا الموضوع قد يغضب الكثيرين و لكني أدعوا الجميع إلي التجرد لله حتي يتضح الأمر لنا وندعوه سبحانه علي بصيرة.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

نحن و الواقع

كثيرا ما نصطدم بسلوك معوج يستند الي منطق أن هذا ما يفعله فلان أو علان أو أن هذا ما صار عرفا في الاونة الأخيرة.
إن هذا الإستدلال ليس كافيا في حد ذاته للتدليل علي صحة أو صواب هذا السلوك.


إن إعادة تقييم الأمور المستقرة في ضمير المجتمع من ان لاخر, يجنبنا السقوط في هذا الخطأ الشائع.


و هناك أمثلة كثيرة لذلك, أولها حجم المنصرف علي نشاط و مسابقات و التعليق و التحليل الخاص بكرة القدم في معظم المجتمعات أو كرة السلة مثلا في المجتمع الأمريكي, هل هناك ما يبرر المعدل الهائل للإنفاق علي مثل هذه الأنشطة؟


المثال الثاني هو حجم المنصرف علي الأنشطة الإعلانية و صناعة الإعلان بصفة عامة. ما الذي يجعل معدل الصرف علي أي نشاط إنساني في حدود المقبول و المعقول أو خارجا عنهما؟


المثال الثالث هو البرامج المتخصصة فيما يعرف بأخبار النجوم وما يملؤها من غيبة و فضائح لا تهم أحدا و مع ذلك تتمتع بنسب مشاهدة أعلي من أي برامج أخري و المثال النموذج في ذلك برنامج "The Insider" الأمريكي حيث يلعب الإعلامي علي وتر رغبة العامة العارمة في الإطلاع علي عورات المشاهير, ربما من باب التشفي. و ضرر هذه البرامج أنها تظهر الجانب المظلم و البشع من النفس البشرية.


المثال الرابع هو إتباع ما ارتضاه الاخرون بشكل تلقائي, كأن نحاول صناعة بطل في الجري لمسافة 100 متر ليحطم الرقم القياسي و الذي يقل عن الأرقام المسجلة من قبل أي إنسان يمارس رياضة الجري بحوالي الثانيتين. إن صناعة مثل هذا البطل تتطلب صرف عدة ملايين من الدولارات, هذا لمجرد التقليد و ادعاء التقدم.


و أسوأ منه ما يعرف بسجل جينيس للأرقام القياسية و ما يحويه من أشياء تثير حفيظة أي عاقل و تبعث غلي السخرية في كثير من الأحيان.


إن العالم كله صار عبدا لصرعات إستهلاكية تظهر علي إستحياء ثم ما تلبث أن تصبح ظاهرة كاسحة. أري أننا مطالبون بمراجعة كل شيء بشكل متأني قبل الإتباع إما لعادات قديمة أو صرعات حديثة.


إننا إذا قسمنا القطاعات التي تغطي النشاط الإنساني فسنجد أنها تنقسم إلي أساسية أو أصيلة و فرعية أو مساندة. الأصيلة تشمل الزراعة و الصناعة و التجارة  و الفرعية تشمل كل الخدمات بما فيها البنوك و الإعلان و الإعلام و الرياضة و غيرها.


إن المجتمع الصحيح هو المجتمع المنتج و الذي يتركز جانب كبير من نشاطاته في الفرع الأصيل منها. أما المجتمعات الخاملة أو التي تعاني مشاكل إقتصادية كبيرة, فيغلب الجانب المساند علي أنشطتها. و ما أظن الأزمة المالية التي عاني منها العالم قبل نحو العامين إلا نتيجة إختلال نسبة الأنشطة الأصيلة إلي الفرعية.


إن حجم الأنشطة التحسينية في المجتمع المصري يشهد إختلالا هائلا في ظل غياب رشيد لدور الدولة في توجيه الإقتصاد. إن أمر تدخل الدولة في توجيه الإقتصاد أصبح مطروحا للمناقشة أكثر من ذي قبل حيث ثبت أن ترك اليات السوق هي الحاكم الأوحد في العمل الإقتصادي تحتاج إلي إعادة  نظر و إلي مراجعة.


وأري أن مسئولية الدولة في توجيه المصريين و ترشيد سلوكهم ضروري للغاية لإعادة الإتزان المفقود في المنظومة الإقتصادية المصرية. لا أدعي معرفة عميقة في شئون الإقتصاد و لكن يبدو لي أن هذا ما يمليه المنطق السليم.

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

وزراؤنا و الإصلاح

إستكمالا للموضوع السابق عن الأثر الإصلاحي لوسائل الإعلام, رأيت أن طريقة معالجة معظم وزرائنا للمشاكل التي تقع في نطاق مسئولياتهم, هي معالجة إعلامية, أي تركز علي المشاكل الساخنة و لا يهم أن الحل وليد اللحظة ولا علاقة له بدراسة متأنية للأسباب و لا بأولوية هذه المشكلة بالنسبة إلي المشاكل الأخري المطلوب حلها. المهم أنها هي النقطة الساخنة الان. وإن لم يكن هناك نقطة ساخنة الان فلنبحث عن واحدة تجعلنا محط أنظار الناس و تضعنا في بؤرة الإهتمام.



و لنضرب لذلك مثالا:
السيد وزير التعليم,  شاء قدره أن يكون مسؤولا عن أعقد قضية في مصر, وقد استلم مهام منصبه منذ ستة أشهر فقط, ومع ذلك راح يخبط يمينا و يسارا مرة لفرض إحترام النظام وأخري لمحاربة الكتاب الخارجي والان لتطوير المناهج بشكل يبدو عشوائيا.

 التخبط ينتج عادة من عدم الإلمام التام بأبعاد المشكلة ووضع رؤية لكيفية الحل ووضع خطة تراعي كل الجوانب و تتجنب أن ينتج عن عمليات الرتق ظهور ثقوب جديدة. أقول لم يكن لديه الوقت الكافي للقيام بذلك كما بدأ باقل الأمور أهمية وأسهلها في الظهور إعلاميا وهو محاسبة المدرسين علي دقة الحضور و الإنصراف.

إن الإلمام بمشكلة مركبة مثل مشكلة التعليم هو أمر في منتهي التعقيد. فأطراف المشكلة كثيرة من مدرسين, بمرتباتهم و مؤهلاتهم, و مدارس بأعدادها و تجهيزاتها, و مناهج بتفاصيلها و أهدافها, و كتب مدرسية بواضعيها و طابعيها, و تلاميذ بأعدادهم و بيئاتهم, وأشياء أخري مثل نظم التقييم. و قبل كل ذلك  أهداف واضحة للعملية التعليمية ذاتها و كيفية قياس التقدم فيها, إستنادا إلي أرقام صحيحة و غير مضللة.

كما يمكن الإستعانة بخبرات الدول التي سبقتنا في هذا المجال, و مقارنة حالنا ببياناتهم مثل كثافة الفصول و نسبة عدد المدرسين لعدد التلاميذ في كل مرحلة و هكذا.

كل ما سبق هو جزء من تصور و الإلمام بأبعاد المشكلة التعليمية, التصور العلمي و المنهج الإصلاحي و ليس المنهج الإعلامي. يأتي بعد ذلك وضع رؤية تحدد الإتجاه و الطريق الواجب سلوكه للحل, ثم وضع خطة مفصلة و زمنية بالخطوات العملية للحلول المقترحة و الحلول البديلة, ثم المتابعة و هكذا حسب ما يعرف بنظام الجودة.

هل لدي السيد وزير التعليم و لو فكرة عن هذا المنهج البسيط ؟ أعتقد أنه يعلم و لكن هذا طريق صعب محفوف بالمخاطر غير مأمون العواقب و لا مضمون النتائج. إذن, فليلجأ إلي أسلوب مجرب و مضمون و لا يتطلب إلا إتقان الكذب و القدرة علي لي الحقائق و هي مواهب متوفرة في كل العصور. كذلك يضمن له الظهور الإعلامي المكثف, ربما يتم تصعيده ليصبح رئيسا للوزراء في يوم قريب.

و لو تتبعنا طريقة معالجة معظم السادة الوزراء لمشاكل مستفحلة كمشكلة  مياه النيل مع دول المنبع أو مشكلة إرتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية التي تروي معظم الأراضي المستصلحة في بر مصر, أو مشكلة تدني مستوي الخدمة في سكك حديد مصر, لوجدنا تغليب النهج الإعلامي حيث ينشط الجميع في "المناقشة" ثم بعد هدوء العاصفة يسود الصمت في إنتظار ما يأتي به الغد. 

إن الإصرار علي تبني مثل هذه المعالجات السطحية لمشاكلنا البسيطة تنقلها إلي رتبة خطيرة ثم مزمنة و هكذا. كل ذلك ناتج عن سوء إدارة بداية و حب للظهور ثانيا و إتباع نهج ساذج يهتم بالعرض الجماهيري    (SHOW) أكثر من إهتمامه بجوهر و حقيقة المشكلة, حتما سيؤدي إلي انسداد المسالك و تشابكها بحيث نصل إلي حالة "إستحالة إيجاد حلول نهائية", فلنتعايش مع المشاكل مع الإستعانة ببعض المسكنات لتخفيف الشعور بالألم إنتظارا للنهاية المحتومة "الموت"