الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

وزراؤنا و الإصلاح

إستكمالا للموضوع السابق عن الأثر الإصلاحي لوسائل الإعلام, رأيت أن طريقة معالجة معظم وزرائنا للمشاكل التي تقع في نطاق مسئولياتهم, هي معالجة إعلامية, أي تركز علي المشاكل الساخنة و لا يهم أن الحل وليد اللحظة ولا علاقة له بدراسة متأنية للأسباب و لا بأولوية هذه المشكلة بالنسبة إلي المشاكل الأخري المطلوب حلها. المهم أنها هي النقطة الساخنة الان. وإن لم يكن هناك نقطة ساخنة الان فلنبحث عن واحدة تجعلنا محط أنظار الناس و تضعنا في بؤرة الإهتمام.



و لنضرب لذلك مثالا:
السيد وزير التعليم,  شاء قدره أن يكون مسؤولا عن أعقد قضية في مصر, وقد استلم مهام منصبه منذ ستة أشهر فقط, ومع ذلك راح يخبط يمينا و يسارا مرة لفرض إحترام النظام وأخري لمحاربة الكتاب الخارجي والان لتطوير المناهج بشكل يبدو عشوائيا.

 التخبط ينتج عادة من عدم الإلمام التام بأبعاد المشكلة ووضع رؤية لكيفية الحل ووضع خطة تراعي كل الجوانب و تتجنب أن ينتج عن عمليات الرتق ظهور ثقوب جديدة. أقول لم يكن لديه الوقت الكافي للقيام بذلك كما بدأ باقل الأمور أهمية وأسهلها في الظهور إعلاميا وهو محاسبة المدرسين علي دقة الحضور و الإنصراف.

إن الإلمام بمشكلة مركبة مثل مشكلة التعليم هو أمر في منتهي التعقيد. فأطراف المشكلة كثيرة من مدرسين, بمرتباتهم و مؤهلاتهم, و مدارس بأعدادها و تجهيزاتها, و مناهج بتفاصيلها و أهدافها, و كتب مدرسية بواضعيها و طابعيها, و تلاميذ بأعدادهم و بيئاتهم, وأشياء أخري مثل نظم التقييم. و قبل كل ذلك  أهداف واضحة للعملية التعليمية ذاتها و كيفية قياس التقدم فيها, إستنادا إلي أرقام صحيحة و غير مضللة.

كما يمكن الإستعانة بخبرات الدول التي سبقتنا في هذا المجال, و مقارنة حالنا ببياناتهم مثل كثافة الفصول و نسبة عدد المدرسين لعدد التلاميذ في كل مرحلة و هكذا.

كل ما سبق هو جزء من تصور و الإلمام بأبعاد المشكلة التعليمية, التصور العلمي و المنهج الإصلاحي و ليس المنهج الإعلامي. يأتي بعد ذلك وضع رؤية تحدد الإتجاه و الطريق الواجب سلوكه للحل, ثم وضع خطة مفصلة و زمنية بالخطوات العملية للحلول المقترحة و الحلول البديلة, ثم المتابعة و هكذا حسب ما يعرف بنظام الجودة.

هل لدي السيد وزير التعليم و لو فكرة عن هذا المنهج البسيط ؟ أعتقد أنه يعلم و لكن هذا طريق صعب محفوف بالمخاطر غير مأمون العواقب و لا مضمون النتائج. إذن, فليلجأ إلي أسلوب مجرب و مضمون و لا يتطلب إلا إتقان الكذب و القدرة علي لي الحقائق و هي مواهب متوفرة في كل العصور. كذلك يضمن له الظهور الإعلامي المكثف, ربما يتم تصعيده ليصبح رئيسا للوزراء في يوم قريب.

و لو تتبعنا طريقة معالجة معظم السادة الوزراء لمشاكل مستفحلة كمشكلة  مياه النيل مع دول المنبع أو مشكلة إرتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية التي تروي معظم الأراضي المستصلحة في بر مصر, أو مشكلة تدني مستوي الخدمة في سكك حديد مصر, لوجدنا تغليب النهج الإعلامي حيث ينشط الجميع في "المناقشة" ثم بعد هدوء العاصفة يسود الصمت في إنتظار ما يأتي به الغد. 

إن الإصرار علي تبني مثل هذه المعالجات السطحية لمشاكلنا البسيطة تنقلها إلي رتبة خطيرة ثم مزمنة و هكذا. كل ذلك ناتج عن سوء إدارة بداية و حب للظهور ثانيا و إتباع نهج ساذج يهتم بالعرض الجماهيري    (SHOW) أكثر من إهتمامه بجوهر و حقيقة المشكلة, حتما سيؤدي إلي انسداد المسالك و تشابكها بحيث نصل إلي حالة "إستحالة إيجاد حلول نهائية", فلنتعايش مع المشاكل مع الإستعانة ببعض المسكنات لتخفيف الشعور بالألم إنتظارا للنهاية المحتومة "الموت" 



ليست هناك تعليقات: