الأحد، 12 ديسمبر 2010

نحن و الواقع

كثيرا ما نصطدم بسلوك معوج يستند الي منطق أن هذا ما يفعله فلان أو علان أو أن هذا ما صار عرفا في الاونة الأخيرة.
إن هذا الإستدلال ليس كافيا في حد ذاته للتدليل علي صحة أو صواب هذا السلوك.


إن إعادة تقييم الأمور المستقرة في ضمير المجتمع من ان لاخر, يجنبنا السقوط في هذا الخطأ الشائع.


و هناك أمثلة كثيرة لذلك, أولها حجم المنصرف علي نشاط و مسابقات و التعليق و التحليل الخاص بكرة القدم في معظم المجتمعات أو كرة السلة مثلا في المجتمع الأمريكي, هل هناك ما يبرر المعدل الهائل للإنفاق علي مثل هذه الأنشطة؟


المثال الثاني هو حجم المنصرف علي الأنشطة الإعلانية و صناعة الإعلان بصفة عامة. ما الذي يجعل معدل الصرف علي أي نشاط إنساني في حدود المقبول و المعقول أو خارجا عنهما؟


المثال الثالث هو البرامج المتخصصة فيما يعرف بأخبار النجوم وما يملؤها من غيبة و فضائح لا تهم أحدا و مع ذلك تتمتع بنسب مشاهدة أعلي من أي برامج أخري و المثال النموذج في ذلك برنامج "The Insider" الأمريكي حيث يلعب الإعلامي علي وتر رغبة العامة العارمة في الإطلاع علي عورات المشاهير, ربما من باب التشفي. و ضرر هذه البرامج أنها تظهر الجانب المظلم و البشع من النفس البشرية.


المثال الرابع هو إتباع ما ارتضاه الاخرون بشكل تلقائي, كأن نحاول صناعة بطل في الجري لمسافة 100 متر ليحطم الرقم القياسي و الذي يقل عن الأرقام المسجلة من قبل أي إنسان يمارس رياضة الجري بحوالي الثانيتين. إن صناعة مثل هذا البطل تتطلب صرف عدة ملايين من الدولارات, هذا لمجرد التقليد و ادعاء التقدم.


و أسوأ منه ما يعرف بسجل جينيس للأرقام القياسية و ما يحويه من أشياء تثير حفيظة أي عاقل و تبعث غلي السخرية في كثير من الأحيان.


إن العالم كله صار عبدا لصرعات إستهلاكية تظهر علي إستحياء ثم ما تلبث أن تصبح ظاهرة كاسحة. أري أننا مطالبون بمراجعة كل شيء بشكل متأني قبل الإتباع إما لعادات قديمة أو صرعات حديثة.


إننا إذا قسمنا القطاعات التي تغطي النشاط الإنساني فسنجد أنها تنقسم إلي أساسية أو أصيلة و فرعية أو مساندة. الأصيلة تشمل الزراعة و الصناعة و التجارة  و الفرعية تشمل كل الخدمات بما فيها البنوك و الإعلان و الإعلام و الرياضة و غيرها.


إن المجتمع الصحيح هو المجتمع المنتج و الذي يتركز جانب كبير من نشاطاته في الفرع الأصيل منها. أما المجتمعات الخاملة أو التي تعاني مشاكل إقتصادية كبيرة, فيغلب الجانب المساند علي أنشطتها. و ما أظن الأزمة المالية التي عاني منها العالم قبل نحو العامين إلا نتيجة إختلال نسبة الأنشطة الأصيلة إلي الفرعية.


إن حجم الأنشطة التحسينية في المجتمع المصري يشهد إختلالا هائلا في ظل غياب رشيد لدور الدولة في توجيه الإقتصاد. إن أمر تدخل الدولة في توجيه الإقتصاد أصبح مطروحا للمناقشة أكثر من ذي قبل حيث ثبت أن ترك اليات السوق هي الحاكم الأوحد في العمل الإقتصادي تحتاج إلي إعادة  نظر و إلي مراجعة.


وأري أن مسئولية الدولة في توجيه المصريين و ترشيد سلوكهم ضروري للغاية لإعادة الإتزان المفقود في المنظومة الإقتصادية المصرية. لا أدعي معرفة عميقة في شئون الإقتصاد و لكن يبدو لي أن هذا ما يمليه المنطق السليم.

هناك تعليقان (2):

هند خالد يقول...

أكثر مقالة اعجبتنى حتى الان ... تحليل اكثر من رائع ... استمر يمكن الناس تفوق :)

هند خالد

وائل عزيز يقول...

كلامك صحيح... وهو ينطبق على الإنسان كما ينطبق على المجتمعات..

فكل فرد فينا لديه خلل في قائمة أولوياته في الإنفاق... أعرف امرأة باعت عفش شقتها قبل أن تستعمله لتصرف على حفل زفافها الذي تجاوز 150 ألف جنيه ... ثم كانت النتيجة أن تم طلاقها بعد عدة أشهر... فلم يكن لها من الزواج إلا فيديو الحفلة.

المظهرية كثيرة... وهي ظاهرة تحتاج إلى اهتمام من المتابعين وتحتاج إلى قدوة... إذا أردنا نهضة حقيقية.