الثلاثاء، 8 فبراير 2011

تأملات في الحدث الكبير

ما زلت أعاني أثر الصدمة جراء ما حدث بداية من الخامس و العشرين من يناير و المستمر حتي اليوم فيما يشبه الحلم مرة و الكابوس مرات و البكائية مرات و مرات.


فأما الحلم فهذا الطائر الذي حلق أخيرا نافضا عنه الظلم و المهانة, فمتي نبت له هذان الجناحان القويان ومن دربه علي التحليق في افاق لم نكن نجرؤ علي مجرد التفكير فيها. "إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي". الحلم بإقامة العدل و بنهاية البغي. 


وأما الكابوس, أن تستطيع قوي الظلام و البغي أن تجهض هذه الثورة و تسوء الأمور عما كانت عليه يدفعها الإنتقام و الغل الذي يسكن هناك في أعماق الظالمين و الذي يطل من عيونهم كلما فاضت به نفوسهم المريضة. كارهون لكل ما هو خير و جميل في هذه الحياة. فقدوا قدرتهم علي الحب و البكاء, عيونهم من زجاج و قلوبهم من حجر.


و أما البكائية فعلي العمر الذي أهدرناه ننظر و نفلسف و نرفع أصواتنا, و هي أقصي ما إستطعنا أن نرفع, مدافعين عن وجهات و مسالك كلها لا تؤدي إلي طرق العدل و الخير و الجمال, كلها تحاول تبرير خيبتنا و فشلنا في دفع الظلم و إقامة الحق. لقد جسدنا العجز فصرنا عجزا يأكل و يشرب و يتكلم و يمشي, و الله لم يخلقنا لذلك و لكنا هوينا إلي الأرض من أجل إستمرار الحياة المهينة.


تأملت ذلك وأنا أراجع توصيات لجنة الحكماء الأخيرة. هؤلاء الشيوخ و الكهول الشرفاء, الذين توقفوا عن الحلم منذ زمان بعيد.
إن اراءهم كلها حصيلة تجارب, أي دروس مستفادة من أخطاء الماضي, رؤيتهم موصولة بالماضي و النظر إلي الوراء, فالتحليق لا يوجد في قاموسهم وهم لم يروا شيئا مثل هذا من قبل, فالصدمة تسيطر علي مشاعرهم و الممكن يحكم رؤاهم. فالحلول المقترحة تستند لما هو موجود علي الأرض من دستور و نظم و إجراءات.


أما هؤلاء الشباب, وهو تعبير عن المحتجين الذين غادروا منازلهم و أقاموا في الشارع بغض النظر عن أعمارهم, تحكمهم أحلامهم, إنهم لم يتوقفوا يوما عن الشوق للتحليق و لذلك ما أن سنحت لهم الفرصة حتي سارعوا إلي الطيران. لا يقيدهم ثوابت و لا يحكمهم دستور و لا إجراءات.


إن هذه الفجوة بين رؤية هؤلاء و أولئك الشرفاء جميعا يجب أن يعيها الذين يطالعون الموقف و يتخوفون من عواقبها.


أسأل الله العظيم أن يكلل تضحيات هؤلاء الشرفاء بالنصر وأن يرينا في الظالمين عجائب قدرته, امين. 

ليست هناك تعليقات: