الأربعاء، 23 مارس 2011

ضبابية الرؤية

بالرغم من مرور أكثر من شهر علي إنهيار ذلك الكيان الهائل, و أقصد بذلك النظام السابق, فما زالت الرؤية غير واضحة و ربما ستستمر هذه الضبابية لفترة طويلة قادمة.


و بمتابعتي للحوارات الدائرة علي صفحات الجرائد و حتي بين الأصدقاء علي الأنترنت, وجدت أن مجهودا هائلا يبذل و وقتا هائلا يضيع في معارك وهمية لا هدف لها, في غالبها, إلا إحراز أي إنتصار, لشعب عاني طويلا من الهزيمة المذلة علي يد النظام البائد, علي أخ أو أخت في الوطن, فتوجيه أسلحتنا لبعضنا الان ناتج عن فترات طويلة من الصمت و السلبية إنقلبت الان إلي رغبة عارمة في الكلام, أي كلام, و الرغبة في إحراز أي أهداف بعد عقم تهديفي إستمر لأكثر من خمسين عاما.


لذلك رأيت أن أتقدم بإقتراح, لو شاركني فيه البعض و تبنيناه, ربما ساهم في التركيز علي الأهداف المشتركة بدلا من التركيز علي نقاط الإختلاف.


بداية أحب أن نتفق علي إستبعاد الإنطباعيات التي ينتج عنها أنني لا أرتاح إلي فلان, شكله غير عاطفي, ماعندهوش كاريزما, أو العكس: شكله إبن حلال, إبن ناس, وشه (وجهه) ينضح طيبة.


ثانيا, أدعو للكف عن الحكم علي الناس من واقع إنتماءاتهم, فهذا علماني و ذاك إخواني و هذا ناصري و هكذا. إن هذا التصنيف يحرمنا من رؤية الجوانب المضيئة في الاخر و تلقائيا نستبعد هذا أو ذاك بمجرد تصنيف لم نتفق علي معناه الدقيق أم لم ندرك أبعاده. أتحدي أن يتفق ثلاثة من معارف أي منا علي تعريف دقيق للعلماني. كذلك أتحدي أن يجتمع ثلاثة علي معرفة دقيقة للإخوان المسلمين ينتج عنها رفضهم أو تبنيهم لفكرهم.


ثالثا التجريح الشخصي الغير قائم علي يقين و المبني علي سماع و إشاعات هو عمل شائن أود أن يستنكره الجميع حتي يفعل المجتع البناء القانوني الذي يجرم هذا السلوك و يعاقب أصحابه.


رابعا يجب إعلاء قيمة الحق في إبداء الرأي, فمن الأقوال المأثورة, " قد أختلف معك في الرأي و لكني علي إستعداد لأن أدفع حياتي دفاعا عن حقك في إبداء رأيك".


و لنبدأ بتصنيف الناس إلي مجموعتين رئيسيتين: شياطين و بشر.


الشياطين هم من ثبت بالدليل القاطع و البرهان الساطع إرادتهم القوية في نشر الفساد و الظلم و البغي و حماية وسائله, من أمثال هؤلاء مبارك و كبار معاونيه و رجالاته. لا يمكننا بعد هذه التجربة الطويلة معهم إلا أن نستبعدهم من الحياة السياسية و النقاشات الدائرة أو أن نتسامح معهم و نسقط حق القصاص منهم لجرائمهم في حق الجميع. إن مثل هؤلاء الان مثل زوج داوم علي إهانة زوجته لمدة عشرين أو ثلاثين عاما وكلما إجتمع الأهل و الأقارب للإصلاح إدعي أنها هي السبب و أنكر إساءته إليها, و بعد أن إجتمع أقاربها لتطليقها منه راح يعدها بأنه سيصلح ما أفسده. هل نبالغ إذا إدعينا أنها بلهاء إذا منحته فرصة أخري؟


البشر هؤلاء الساعون في الحياة يخلطون عملا صالحا و اخر سيئا. منهم من قبل رشوة أو أكرم أقاربه علي حساب الناس أو حصل علي مصلحة برشوة مسئول أو إشترك في تضليل الناس في الإعلام بدعوي أن التيار أقوي من الجميع. هؤلاء لم يفقدوا الإحساس بالذنب في يوم من الأيام و إن رضوا بالخطأ مؤقتا و لكن لم يصيروا دعاة للباطل أو ينشروا الضلال و يدعون أنه الحق, ذلك هو الضعف الإنساني الذي لا أبرره و لكن أدعو للتصالح مع أصحابه و لبداية جديدة معهم.


نحن مقبلون علي مرحلة هامة نحتاج فيها إلي بوصلة سليمة تدلنا علي الإتجاه الصحيح في كيفية إختيار ممثلينا في المجالس النيابية و رئيس الجمهورية و لو تركنا لأنفسنا العنان في الحكم علي الناس بالمقاييس السائدة فلن نجني إلا الندامة و سنعاني جميعا من سوء إختيارنا حيث تحكمت الإشاعات و السمعة و الشهرة فيها و هذا ظلم لأنفسنا و علي الظالم تدور الدوائر.


دعونا نبدأ بسؤال عما نريد نحن, لا ما يعرضون هم. ماذا نريد من القادمين أن يحققوا لهذا الشعب في المدي القريب؟ من وافق برنامجه إرادتنا و إحتياجاتنا انتخبناه و من إبتعد عنها رفضناه. بالطبع سنختلف إلي مجموعات كل لها أولويات و هذا ما كان يفترض أن تقوم به الأحزاب و حيث أنها غير موجودة, دعونا نضع نحن برامجنا.


إنها عملية طويلة و ستخضع لنقاشات مطولة و تصفية حتي تصل كل مجموعة إلي ترتيب أولويات إحتياجاتها, فمثلا ماذا نريد أن يحدث من تغيير في مجال التعليم؟ هل نؤيد المجانية في جميع المراحل أم في مراحل معينة فقط؟ هل نسمح باستمرار المؤسسات التعليمية القائمة علي الربحية؟ هل نعارض تعدد المناهج و الأنظمة لأبناء الوطن الوحد؟ هل إصلاح التعليم و زيادة ميزانياته يأتي في مقدمة الأولويات؟ و هكذا و دون الدخول في التفاصيل العميقة لكل عملية حتي لا نتوه و نفقد الإتجاه.


مثال اخر, هل نتصور أن يظل النظام الضرائبي علي ما هو عليه أم نرفع الحد الأقصي للضريبة؟ ما هي أنجح الوسائل لتحقيق عدالة إجتماعية لا تعطي المتكاسلين مزايا علي حساب أصحاب المواهب و الطاقات؟


سنخلص إلي مجموعة من البرامج الكلية, كل مجموعة ستقوم بتأييد مرشحيها بناء علي تلك البرامج. المفاضلة بين المرشحين المتشابهين في برامجهم ستكون حسب إنتماءاتهم المعلنة و ليست التي إشتهروا بها. الجانب الشخصي سيتم إهماله ما لم يكن جريمة أو ما شابه.


أمل أن أتلقي إقتراحات الأصدقاء و الأبناء الأعزاء و كذلك البدء في إعداد البرامج و مناقشتها و لعله يكون جهدا مبذولا في الإتجاه الصحيح يسدده سلامة النوايا و توفيق الله.

ليست هناك تعليقات: